يشتهر بين الناس تشبيه الأولين لعمل المحب المتجرد بشمعة، تحرق نفسها، لتضيء للآخرين.
وكان الكاتبون، أصحاب الأقلام، والتدوين، والتأليف، والصحف، والشعراء يرون أنفسهم أصفى هذه الشمعات، ويظنون شعاعهم أوهج اللمعات، لما في قلوب المحبين من نور يضيء طريقهم
وذاك شرف، نعمّا هو، يحق معه لهم ولغيرهم أن يتنافسوا في الانتساب إليه، والسباق إلى التحلي به.
ولكني رأيت من خفي الحكمة ما هو أبرع في وصف الحب، ودوره في التوهج، والبهجة التي تبعثها تلك العاطفة، فقد أطل ذكي على ساحة الحياة، يتتبع مكامن البسمات بعد أن امتلأت أحزانا، فاكتشفها فقال: ( لم أر باكيا أحسن تبسما من المحب )
يجوب صاحب القلب الكبير الميادين، وتكون له سياحة في آفاق الاعماق، وينقب في الماضي يستخرج السوابق، ثم يرجع يختلي، يقيس ويقارن، ويحلل ويعلل، لتسطر دمعات قلبه النبضات وما وجد، لتجف دمعات قلوب التائهين، ويكون ثم ابتسام.
إنها متاهات الحياة يهيم فيها أكثر البشر، فتأتي تجارب المحبين، عبر دموع الأقلام، تعصم من الخطأ وتوجه، وتنتشل من التخبط وتسدد، وترسم الطريق فيتململ راقد، ويتنافس قانع، ويتأنى متهور، وما بين هذا التعقل والتنافس، والإسراع والإبطاء: تكون البصائر، وتتكشف أصول المباهج، فتغمر القلب برودة السكينة، بعد حرارة الشوق ولذعات الحيرة، وتنفرج أسارير الوجه عن ابتسام وضاء، بعد عبوس أو ذهول.